
الشعلة الراقصة
كان القردان الصغيران فوق الشجرة ، يتناولان إحدى الثمار ذات
العصارة الحلوة، شريكان عادلان ، كل واحد قضمة بالتساوي ، ولما
انتهيا ، استلقيا على فرع من فروع الشجرة سعيدين ، وكانا سوف
يروحان فى النوم اللذيذ بعد وجبة شهية .
هب القردان فزعين ، وأشارا دون صوت إلى ذلك الثعبان ، الذى يزحف على
نفس فرع الشجرة آتيا إليهما ، وهو يُخرج لسانه المشقوق فى الهواء ،
متحسسا ، تقوده بالتأكيد حرارة جسدي القردين الصغيرين .
رأى القردان أن خير وسيلة لإنقاذ حياتهما هى الهروب من وجه هذا
الثعبان الشرير .
إذن .. عليهما النزول من فوق الشجرة بسرعة ، وحينما حاولا الانزلاق
على جذعها ، شاهدا ثعبانا آخر ينتظرهما أسفل الجذع على الأرض !!
أى فزع هذا الذى انتابهما ؟! وأي ورطة أحاطت بهما ؟! أين المخرج ؟
كيف يكون التصرف؟! كيف ؟ كيف ؟
ربما تكون الفكرة بسيطة ، ولكن علينا أن نجرب .. ربما ننجح .
هكذا .. قطع القردان أحد فروع الشجرة ، وبعد ذلك جعلا طرفه الأسفل
يرتكز على الأرض ، والطرف الآخر يستند إلى فرع الشجرة فى طريق
الثعبان الزاحف نحوهما .
-هيييه ! نجحت الخطة .
-هيييه ! أنقذتنا الخطة .
هذا لأن الثعبان حين وصل إلى الفرع المتدلي واصل زحفه ، نازلا إلى
أسفل حيث الثعبان الآخر على الأرض .
بعد مدة نظر القردان ، وصاحا ، وضربا الأكف بالأكف ، فقد اختفى
الثعبانان ، وانتهت المشكلة .
ربما كانت الحال بين القردين ستظل هكذا ، إلا أنها انقلبت حينما حصل
كل قرد منهما على شمعة مشتعلة ، من أحد البيوت على حافة الغابة ،
وأثناء تجوالهما .. فماذا فعلا ؟!
قهقه القردان وهما ينظران إلى شعلتى النار تتراقصان ، فأخذا يرقصان
مثلما ترقص الشعلتان، هذا حدث فى البداية ، وبعدها توقف كل قرد ،
ونظر إلى شمعة القرد الآخر ، ثم هجم كل قرد على القرد الآخر ، كل
واحد يريد الاستيلاء على شمعة الآخر !!
كانا يتدافعان بالصدور ، ويرفسان بالأرجل .
-ليكن معي اثنتان .
-ليكن معي أنا اثنتان .
أصابهما التعب ، ونفخ أحد القردين الهواء من صدره غيظا ، فانطفأت
الشعلة فى شمعة القرد الثاني ، الذى وقف مبهوتا ، وهو يرى سحابة
صغيرة من الدخان ، ولا شعلة تتراقص بلمعتها الصفراء !!
أخفى القرد الأول شمعته المشتعلة خلف ظهره ، ودفع القرد الثانى بيده
الحرة ، وصاح :
-أنا معي واحدة ترقص .. أنت لا ..
-أين هى التى ترقص ؟! أنا لا أراها ..
قال القرد الذى أخفى شمعته خلف ظهره :
-أعرف مكرك .. أنت تريد إطفاء شعلتها .. لكنك لن تستطيع ..
-أظهرها الآن .. سوف نرى شعلتها الراقصة معا .
رفض القرد الذى معه الشمعة المشتعلة ، ومط شفتيه ، وهز رأسه بعنف ،
ولكنه صرخ ، وهو يشير إلى الخلف :
-أشعر بحرارة .. هووووه ! أشعر بأنني ... هووووه !!
كان لهب الشمعة قد لسعه بحرارته ، وحينما جرى بعيدا ، هارشا ظهره
بشدة ، سقطت الشمعة على الأرض منطفأة !
قال القرد الثانى بحزن :
-أرأيت النتيجة ؟! لو كنت جعلتنا نلعب سويا ، لكانت ما زالت ترقص .
   

حكيم فوق شجرة
قالت الضفدعة لنفسها : سأصنع لنفسي مركبا ، أجوب به أنحاء البركة .
كانت الضفدعة – وهذا مفهوم من قولها – تعيش بالقرب من إحدى البرك ،
ولقد سمعها الهدهد ، الذى كان يلتقط بعض الديدان ، فتوقف عما يفعل
مندهشا ، وصاح يقول : إذا كان لى جناحان ، فلماذا أركب طائرة ؟!
كانت ملاحظة ذكية ، ومن يملك فهما ، فسوف تصل إليه حكمتها مباشرة ،
ولقد سمعت الضفدعة الهدد جيدا، وعرفت أنه يقصدها بقوله ، إذ أنها
تملك رجلين خلفيتين طويلتين بهما أغشية جلدية ، وهما رجلان تشبهان
المجداف ، وتستطيع السباحة بهما ، دون مشقة فى مياه البركة ، فتذهب
إلى حيث تشاء .
صاحت الضفدعة : انتبه لنفسك ، ودع الآخرين ، ولا تتدخل فى شئونهم .
لاحظ الهدهد أن الجندب قد سكت عن الصفير المزعج ، واقترب من الضفدعة
قائلا : أما أنا فسوف أصنع نفيرا ، أنفخ فيه بعض الألحان .
لم يتحمل الهدهد هذه الكلمات ، وكان لابد أن يقول : إذا كنت أستطيع
الصفير ، فلماذا أرهق أنفاسى بالنفخ فى نفير ؟!
لم يعلق الجندب ، فقد عرف أن الهدهد يقصده ، فهو له أجنحة دائمة
الحركة ، ويصدر عن هذه الحركة صفير معروف عن الجندب .
طار الهدهد وارتفع ، ثم هبط على أحد الأفرع لشجرة مزروعة على حافة
البركة، كان يشاهد من مكانه الجديد كيف اقترب الجندب من الضفدعة ،
والضفدعة قد اقتربت من الجندب ، وأخذا يتهامسان طويلا ، مما أصابه
بالضيق والضجر ، فصاح: ما دام لى أذنان ، وأستطيع الكلام ، وأملك
الحقيقة ، فلماذا أهمس ؟!
كانت الحرب قد بدأت عقب هذا القول ، وتلقى الهدهد قذيفة من طين
البركة ، وحصوة من الجندب ، حتى أنه فقد توازنه ، وهوى من فوق فرع
الشجرة ، الذى كان يقف عليه ، وكاد رأسه يصطدم بالأرض ، لولا أنه
استطاع أن يقوم بمناورة بارعة بجناحيه ، واعتدل مستقبلا الأرض
بقدميه ، وخاطب كلا من الضفدعة والجندب بكل طيبة قائلا : لماذا ؟!
ماذا فعلت لكما لتفعلا هذا معى ؟!
قالت الضفدعة : لقد أوقعتنى فى الحرج .
صاح الهدهد : أنا ؟!
وقال الجندب : نعم .. أنت أيها الهدهد أوقعتنى فى الحرج أيضا.
صاح الهدهد مندهشا : أنا ؟! كيف كان هذا ؟!
قالت الضفدعة : أنا كنت أحدث نفسى ، وأنت لم تترك لى الفرصة لأتأمل
إن كنت على خطأ أو صواب .
وقال الجندب : لم تترك لى الفرصة لأعرف هل هو قول جاد ، أم أنه حلم
من أحلام اليقظة يذهب كما جاء .
ضحك الهدهد كثيرا ، حتى أن عدوى الضحك انتقلت إلى كل من الضفدعة
والجندب ، وبعد أن انتهى الضحك ، قال الهدهد : صديقاى .. لقد
تعلمت منكما درسا اليوم ، وأنا الذى كنت أظن أننى حكيم .. لقد
تسرعت .. أرجو عفوكما .
وعاد الهدهد إلى فرع الشجرة ، وهو أكثر حكمة عما قبل .
----------------------------
أضيفت في 27/06/2005
   
|