يحيى الصوفي حرر في: 24-12-2004, 03:38
pm
– منتدى القصة العربية
الأخ الصديق د. ايمن تحية وصباح الخير أشكرك على اهتمامك ببطاقاتي
البريدية وعندك حق بالتساؤل عن مصير بطاقتي المرسلة من مصر لأني بدأت من
تونس متجاوزا ليبيا ومصر.؟... ربما لان الأولى ( ليبيا ) حضنت بعض سنين
غربتي ( عام ونصف ) فتحولت بالتالي إلى ما يشبه الوطن البديل وفيها ومنها
هناك أكثر من البطاقات هناك تاريخ بحاله سأعود إليه لاحقا.؟
أما مصر فكانت دائما وأبدا وطني والقاهرة عاصمته فلم ادقق كثيرا في
نبش الأيام القليلة التي قضيتها فيها لأنني وعندما حللت بها لم اشعر أبدا
بالغربة....لم اشعر بأنني خرجت من مدينتي وبلدي وابتعدت عن أهلي وكان هناك
شعور غريب ينتابني بالألفة والاطمئنان وكأنني لم أغادرها.؟.... بل أنني كنت
على قاب قوسين من حيي الذي اقطنه.!
فلقد كان بين طفولتي وتعرفي على مصر من خلال مذياع والدي وهو يتتبع
( صوت العرب من القاهرة ) وكذلك القصص التي كان يحكيها لي أخي البكر عن
زيارته للقاهرة ( عن طريق البحر ) لمتابعة الألعاب الرياضية هناك ( إبان
الوحدة ) وكأنه يتحدث عن دمشق.؟..... وهكذا استمرت الحال مع عودة أخي
الثاني كل عام من مصر ( حيث أنهى تعليمه ونال الماجستير هناك ) وهو محمل
بالهدايا والأخبار عنها ويحدثنا عن النكتة المصرية وهو يلقيها باللهجة
المصرية المليئة بالعذوبة والموسيقى.؟!
ولم ابتعد كثيرا إذا قلت بان الثقافة العربية الحديثة وان بدأت من
مصر فهي بدأت مع المفكرين والأدباء والصناعيين والتجار القادمين من بلاد
الشام ( سوريا ولبنان ) فكان لإنشاء أولى دور النشر والطباعة فيها دورا
كبيرا في ازدهار العلوم والأدب والصناعات النسيجية التي كانت تشتهر بها.
والى زمن قريب أثناء الحرب اللبنانية كانت الملجأ الآمن للكثير من
الصناعيين السوريين واللبنانيين وعندي من عائلتي عدد كبير في الإسكندرية
والقاهرة يملكون مصانع للرخام والنسيج وأوراق الجدران.
ولو دققت قليلا بأسماء العائلات تجد ( السباعي والجندلي والصوفي
والجندي والشامي والحمصي والحلبي وغيرهم كثير ) استوطنوا وتمصروا في مصر كما إن
هناك عائلات كبيرة بحالها استوطنت سوريا ومن كل أرجاء الوطن العربي واشتهر
كل منهم بنسبه إلى وطنه.؟!
فلا تستغرب يا عزيزي آلا أكون قد توقفت ببعض السطور عن مصر والقاهرة
بالذات لأنها كانت دائما بالعقل والقلب ولا زلت اذكر إلى الآن دمعات والدي
وهي تجري على وجنتيه حزنا على موت الرئيس عبد الناصر بالرغم مما ألحقت به
الوحدة ( كغيره ) من أذى في تجارته خاصة وقد خسر جل ما يملكه من ثروة (
حيوانية ) إبان سنين المحل ( الجفاف ) ( حيث لم تتأخر مصر من إرسال المعونة
والغلال ) الخمسة التي مرت على سوريا خلال الفترة تلك ولم تكن -للأسف-
لصالح الوحدة ولا لصالح رئيس عربي عمل المستحيل لتحقيق حلم غال على كل
مواطن عربي.؟!
عن ماذا تريدني أن أحدثك أكثر..... عن مصر وسوريا.....عن البلدين
الذين لم يجتمعا إلا وهزما أعدائهم المشتركين.؟
فمنذ حروب زنوبيا ( ملكة تدمر العربية ) وتعاونها مع مصر لدفع
اعتداءات الفرس عنها...إلى اتحاد جيوش مصر والشام لرد غزو المغول وانتصارهم
عليهم ( في مرج دابق) وإنهاء أسطورتهم التي لم يقوى عليها حتى جيوش أوروبا
في ذلك الوقت.؟....إلى اتحاد مصر والشام تحت رايات صلاح الدين في دحر
وإخراج الصليبين من بلاد الشام.......وهكذا يا عزيزي وعندما كانت الشام
تتعرض للعدوان كانت مصر تهب لدحره عنها وإذا ما أصاب مصر غزو تفشى الظلم
فيه وانتشر هبت صور وعكا بحصونها تدفع شوكة المحتل وتغرق الغازي بالمهانة
والجوع والمرض ( كما فعلوا بجيوش نابليون ) بل قد يضطر بطل من الشام لأن
يغادر إلى مصر لينتقم لشعبه وأهل وطنه ( كما فعل سليمان الحلبي بقتل
الجنرال كليبر الفرنسي وكان سببا في اندحار وفشل حملة نابليون على مصر )
وهكذا تتلاحم المسيرة ويتلازم المصير شئنا أم أبينا ولن يتحقق نصر وسلام
وقوة ورفاهية إلا بوحدة هذين البلدين لأنهم وعلى مدى التاريخ اثبتوا للجميع
بان وحدة حالهم ومصيرهم هو السبيل الوحيد إلى استقلالهم ورفاهيتهم شئنا أم
أبينا.؟!
شكرا يا صديقي على كلماتك....شكرا على تذكري بمصر .... بلدي
....واني لشديد الحزن أن أمر بها لعشرات المرات ( خلال خمس سنوات كنت أمر
بالقاهرة كل شهر مرتين ) واقضي بها ليلة أو أكثر ولم يتسنى لي أن ازور قبر
الرجل الذي صنع النصر وأعاد الكبرياء للأمة العربية ( عبد الناصر ) لأقرأ
الفاتحة.؟
هكذا نحن نؤجل وفي كل يوم زيارة الأماكن التي نتصور بأنها في متناول
أيدينا حتى نشيخ ودون أن نعرف السبب.؟
اليوم نقلت بطاقة مصر وأنا اكتب بالعادة مشاعري ببراءة ذاك الشاب ذو
ثمانية عشر ربيعا دون نفاق...فاعذر
نقاء مشاهداته،... فالعاشق لا يرى فيمن يحب إلا ما يتمنى.؟! |