رد: يحيى الصوفي
(أديب ومحرر صحفي) منتدى شظايا أدبية 24-01-07, 08:47 PM
أخي الأستاذ احمد الصويري تحية طيبة وبعد.
إنها نعمة من الله وسنة الكون هذا الذي نسميه الحب... لا يعرف وطنا... ولا
جنسا... ولا لغة... هو الوحيد بين المشاعر كلها التي لا يحتاج للكلام...
نقرأه في العيون... ونشاهده في ابتسامه... ونشعر به بلمسة حنان... وهو
الوحيد الذي لا يعرف الشيخوخة أو الهرم أو المرض أو الموت... انه هبة الله
منحت مع الروح لا ينقضي أو يزول إلا بزوالها... والروح هي من بعض الخالق
سبحانه وتعالى أبدية ولا تعرف الفناء.
ولهذا أأسف لمن لا يقدر هذه النعمة ويستغلها لما فيها خيره وخير الآخرين...
وأأسف أن يفرق بين المحبين ارث أو وطن أو دين... واجد من الطبيعي جدا أن
تختلط الشعوب وتمتزج الدماء... وان تتوج رحلة المسافرين والمهاجرين
بعلاقات تعارف وصداقة وحب وزواج دون قيود أو محاذير أو ملاحقات أو
تشهير... ولقد عرفت الحضارات القديمة مثل هذه الأنواع من الهجرة... ومثل
هذه الأنواع من علاقات الحب والزواج... وكما كانت زيجات الأمراء والملوك
بين أفراد عائلاتهم تمتن أواصر المحبة والقرابة وتمنع الحروب... كانت كذلك
بين أفراد القبائل وهي تتحرك وتهاجر خلف الكلأ والمرعى أو التجارة... هذا
إذا لم يكن هذا الاختلاط نتيجة الغزوات والحروب... ولهذا ورثنا من أوطاننا
حب المخالطة والعشرة والانفتاح على الآخر وثقافته ودينه... وذلك لكثرة
الأعراق والأجناس البشرية التي عبرت أو استقرت فيها... وهو ما أعطى لبلادنا
أعلى نسبة من الذكاء والحنكة والجمال في العالم...
ولهذا فان أول قانون إصلاحي يصدره (نابليون بعد زيارته لمصر والتعرف على
حضارتها وسكانها) وهو أب ومؤسس القوانين المدنية والتشريعية في فرنسا (الذي
لازال ساريا إلى الآن) هو منع حد التحريم زواج الأقارب (الأنساب) (أولاد
العم والخال) والتشجيع على المخالطة مع الأجناس الأخرى لتحسين النسل وهو ما
أعطى لفرنسا وقبلها اسبانيا وقبلها ابعد بكثير تركيا وإيران هذا الوجه
الحضاري اللامع...
ولهذا يفاجأ بعضنا عندما يستوطن بلدا ما -في رحلة حياته- من التصنيف وذلك
حسب المصلحة والظرف (متعلم، غني، أو جميل) (وهذا ينطبق تماما على الهجرة
الداخلية داخل الوطن الأم أو داخل الوطن الأكبر (البلاد العربية) وعلى أي
مواطن في الغرب دون استثناء) وفي بعض الأحيان داخل مدينته أو قريته أو حيه
حيث يلعب الاسم واللقب دورا مهما.
إذا تهاجر الطيور تبحث عن الغذاء والدفء والحب... وأثناء رحلتها تتزاوج
وتنجب وتعود مع صغارها للوطن... ثم يبدأ جيل آخر بالهجرة ليتفقد مسقط رأسه
وحديقة طفولته فيكمل دورة الحياة بوطن كبير كبر العالم لا يعرف حدود ولا
قيود (اشتهيت أن أكون طيرا).
ودفئنا وغذائنا نحن العرب يا عزيزي غادر أوطاننا منذ زمن... ولهذا نحن
نغادر خلفه حتى ننعم ببعض خيراته والتي هي حق مشروع لنا قبل غيرنا...
ونساهم باستمرارية وتطور حضارتنا التي لم تغب شمسها كما يحلو للبعض أن
يدعيه... لان حضارة الغرب ما هي إلا امتداد طبيعي وشرعي لحضارتنا شئنا أم
أبينا إلا إذا كانت الحضارات تخلق من العدم.
وثق تماما بان أي من الجنسين لن يجد صعوبة في التفاهم والحب والزواج فهي من
مسلمات الحياة وبديهياتها... ولكن البشع فيها (وهي موضة جارية هذه الأيام
في البلاد العربية) هو البحث عن أسباب للفشل أو الخيبة التي تقع في العلاقة
بين أي شخصين (زوجين، حبيين) خارج العلاقة الحميمة والصراحة -التي تكون
قائمة عادة فيما بينهما- إلى الأهل والمال والأولاد... إنها مجرد مبررات لا
أكثر لفشل علاقة قوية ومتينة لم تكن موجودة أصلا إلا كوهم في عقولهم (قد
يكون سببها نجاح العلاقة الجنسية واختلاطها بمشاعر الحب وهما شيئين مختلفين
تماما).
والقصة تتطرق إلى بعض هذا الخلط في المشاعر والبحث عن الأعذار خارج إطارها
الحقيقي... لتطال استعادة المشاعر المفقودة للأهل (رضا الوالدين)... أو
الحصول على المال... أو الاستئثار بالأطفال لمجرد حرمان الطرف الآخر
منها... (دون النظر إلى النتائج أو الضرر الذي من الممكن أن يلحق بهم)
ولازلت اذكر إلى الآن جواب إحدى الفتيات السويسريات التي كانت تعمل عندي
(دورة تدريبية في الصيف) عندما سألتها عن مشاعرها كونها تعيش بين والدين
مطلقين (وكان هذا الأمر مستهجنا وصعب الفهم لدي) وبأنها لا تحمل عقدة لذلك
بقولها: (أفضل ألف مرة أن يعيش كل منهما حياته بعيدا عني من أن اسمع
صراخهما وشتائمها كل يوم!!!؟؟؟.) عاديك عن مئات الأمثلة التي يقشعر لها
البدن وكلها تصب في نهر واحد هو المال والانتقام.
وإذا ألقيت نظرة على الحكايات البسيطة التي كانت تتحفنا بها جداتنا ومنها
(دائرة الطباشير) تدل باختصار شديد وبسيط حالة الأم والأب الذي يحب ولا
يكره (أن يصل بها الحال عن الاستغناء عن ابنها على أن يتقطع أشلاء).
وأخيرا يبدو بأنني قد شردت وتوسعت في الكلام عن موضوع أراه بنظري بسيط جدا
وهو بان المحب الصادق في حبه لا يؤذي أبدا... أبدا مهما كانت الأسباب.
أفضل تحياتي وسرني أنني لامست بعض شجونك فهو عزاء لي بأنني قرئت وأمتعت.
يحيى الصوفي |