حضنت العنقاء آلام شهرزاد ومسحت جبين صباحها بورقة
غار، فأضاء المكان.
شهرزاد.. أيتها الحبيبة.. لا تبكي..
هم رجال وهبوا دماءهم قرابين وفاء، ليهبونا
الحياة.
***
هناك على ضفاف دجلة تتطهّر الأرواح..
وفي بيسان صبية تهد بصمودها جدران من اغتصبوا
أحلامها.
لو تسألين الأيام .. كم من شهيد ارتقى ليمسح دمعة
مقلتيك..فزُفوه إليّ..!
***
من "قانا" تعلم الرجال بأن الحب عطاء، والإيمان
فداء.
فحققوا المستحيل، وتقهقرت جحافل من ظنوا أنهم
الباقون على شقوتنا
يجرون ذيول الخيبة والخسران،
فارتسمت على جباه المنتصرين أكاليل الغار.
***
هل تسمعين يا شهرزاد بخروج العنقاء من فاجعة
الرماد!.
تراني أحلم.؟ وما كنت غير امرأة اختزلت في صدري
أوجاع الأمة.
فانتبذت مكاناً قصيّاً
أعتزل فيه، ولملمت ضفائري وجمعت حروفي المتكسرة.!
أبكي ليلي الطويل، وأنعى بالنهار نكبات تتوالى.
فقدت عزيمتي واستسلمت لوديان اليأس.
***
ما عهدت فيك ضعفاً يا شهرزاد. ألم يخضّب التتار ماء
دجلة بأحبار كتبك.؟ ولم تستسلمي.!
صرخت.. وانجدتاه.. فجاءك الرجال على أجنحة
الملائكة،
وفكّوا عن معصميك القيود، فانتصبت قامتك أكثر
شموخاً.!
***
أيتها العنقاء الأسطورة.. على ثوابتك تقفين،
وتحت وارف ظلالك نستمد الدفء..
***
نعم أنا الباقية، أنتظر فرسان الخلاص، وأعيد كتابة
التاريخ،
ولو عاندتني الأيام. أو إن غدر بي الزمان وأدار
وجهه عني،
سأعيده من جديد وأخطّ في الصخر خطوط انتصاري..
أبنائي يا شهرزاد سيخرجون من باطن العتمة،
يحملون كلمة الحق على جباههم، ويقسمون على
الوفاء.. ونبدأ من جديد.
***
يا أم .. بائسة أنا، والقهر يطحنني.
لماذا لا تكونين قطرات ندى تغسلين عنّي غبار
الرماد.؟
واعتصمي معي بحبل الله، وتوحّدي مع ذاتك كي تنهضي
قوية.
ثم خذي زهوري وطيوري وتزيّني بها، وزغردي لعودة
المهاجر.
لوثة حزن نالت من قلب شهرزاد وأدمت أحلامها.
راحت تبحث عبثاً عن مخبأ، تواري ضعفها.
***
العنقاء تلاحقها أينما ذهبت، لتنسج مصابيح أمنيات،
فتشرق الشمس من جديد..
نسجت حكاياتي من بطولات النشامى،
ومن ألف ليلة وليلة أطلقت الإنسان من أعماق أميري،
فُولد الأمير الذي أرجو،
توجته قمراً أضاء ظلمة ليلي، وجعلته وطناً فيه
سكينتي.
***
هي أنت التي أعرف، ما زلت كما عهدتك، لم تصغري أمام
النوائب.
وتتجدد فيك دماء العزة والكبرياء.
***
ها أنتِ تزرعين فيحصدون، فلا تبخلي بالعطاء إلى من
جاءوك تائبين..
الآن أنتِ لست وحدك، في لياليك تصبح الأقاصيص
حكايات ليس لها نهاية، ونبدأ من جديد...
***
عجباً لسيدة الكون، كلما سالت منها الدماء قويت
أكثر، فأحببناها أكثر..
توضّعت على قمم الروابي، وأعالي الجبال،
فأزهرت فرساناً وركباناً نبتوا من بطن الأرض
لينمحوها الحرية،
وينفضوا عنها الرماد.
فليشهد المكان والزمان ذلك الالتحام القدري بين
عنقاء وشهرزاد، يعلنان ولادة الهمّة.
***
أيتها الأسطورة.. لن تموتي ما دام هناك رجال عاهدوا
الله وصدقوا العهد.
سيعودون إليك ليعلنوا أنهم منك وإليك.
وسأفك ضفائر اليأس كي نعيد البناء، وننعم بكل خفقة
جناح ظللت أمانينا،
ثم نرفع رايات النصر ترفرف فوق أحلامنا، وأكاليل
نصر يزينون ربوعك سيدتي..
وطني وسيدة كل العصور.